📁 آخر الأخبار

الكوفية الفلسطينية... من ساحات النضال إلى منصات الموضة!

 



خلال السنوات الخمس الماضية، تحوّلت الكوفية الفلسطينية من وشاح يحمل عبق النضال إلى عنصر موضة عالمي حاضر في الشارع والمنصات والسجادة الحمراء. هذا التحوّل لم يأتِ من فراغ؛ بل جاء نتيجة تزاوجٍ نادر بين الرمزية السياسية من جهة، وصناعة الموضة المتعطّشة للهوية والقصة من جهة أخرى. ومع موجات التضامن العالمي بعد 2021 و2023، وجدت الكوفية نفسها في قلب مشهد بصري جديد، تتقاطع فيه الأزياء مع السياسة، والتراث مع الاتجاهات التجارية.

خلفية عن صعود الرمز

اشتهرت الكوفية الفلسطينية بنقشتها المميزة باللونين الأبيض والأسود، وأحياناً الأحمر والأبيض التي تشبه شبكة الصيد. وتعود جذورها إلى لباس الفلاحين والبدو في فلسطين وجوارها، لكنها اكتسبت رمزية سياسية عميقة منذ ثورة 1936 ضد الاستعمار البريطاني في فلسطين. خلال تلك الانتفاضة، ارتدى الثوار الكوفية لإخفاء هوياتهم وتأكيد وحدة الصف الوطني، فتحوّلت إلى رمز للمقاومة الفلسطينية.

لم يكن ظهور الكوفية في الموضة حدثاً طارئاً، لكن حضورها ظل لعقود محاطاً بالحذر. في العقدين الماضيين، بدأت دور أزياء غربية بتضمين نقشتها في تصاميم جانبية، غير أنّ الفترة الممتدة بين 2020 و2025 مثّلت نقطة انفجار حقيقية. ظهورها في احتجاجات عالمية منحها «إعادة اكتشاف» بصرية جذبت أنظار محرّري الموضة، خاصة في ظل بحث الصناعة عن رموز أصيلة تحمل سردية واضحة.
ومع تفشي موضة الـStreetwear عالمياً، أصبحت الكوفية أقرب إلى قماش يمكن دمجه في الإطلالات اليومية كعنصر هوية، لا كقطعة فولكلورية.

من الشارع إلى السجادة الحمراء ومنصات العروض

اعتمد نجوم عدّة هذا النمط، منهم نجم كرة القدم البريطاني ديفيد بيكهام والممثلة الأميركية كريستين دنست ومصممة الأزياء والممثلة الأميركية ماري كيت أولسين ونجم البوب الأميركي جاستن تمبرليك والنجمة الهوليوودية كاميرون دياز وغيرهم، ربّما من دون أن يدركوا معناه الحقيقي!

تبلور الحضور الموضوي للكوفية من خلال ثلاث محطات مركزية. المحطة الأولى عنوانها «بيلا حديد»، إذ ظهرت العارضة الأميركية من أصول فلسطينية بالكوفية في احتجاجات نيويورك عام 2021، وفي عام 2024 أطلّت بفستان مصنوع بالكامل من قماش الكوفية الحمراء والبيضاء في «مهرجان كان السينمائي». وصفت صحافة الموضة الأجنبية، ولا سيما «فوغ» و«بيزنيس أوف فاشن»، إطلالتها بأنها «دمج استثنائي بين الموضة الراقية والهوية الفلسطينية».

مثّلت الفترة بين 2020 و2025 نقطة انفجار حقيقية!

أما المحطة الثانية، فكانت شقيقتها الكبرى ألانا حديد التي ظهرت في «أسبوع الموضة في كوبنهاغن 2025». وقدّمت ألانا إحدى أقوى اللحظات البصرية بفستان طويل من كوفيات معاد تدويرها من تصميم دار MAILLIW النرويجية. الإطلالة لم تُقرأ كصيحة فحسب، بل كموقف سياسي احتجاجاً على استمرار المجازر الإسرائيلية في غزة.

وتمثلت المحطة الثالثة في ظهور الكوفية في فساتين وتنانير وقطع Street Style، مع تبنّي بعض المصممين للمحاكاة البصرية لنقشتها من دون المساس بهويتها. كما شكّل الحضور في احتفال توزيع جوائز «إيمي» الـ77 في لوس أنجلوس حدثاً لافتاً، إذ استغل عدد من النجوم العالميين المناسبة للتضامن مع فلسطين على الهواء مباشرة. على سبيل المثال، ظهر الممثل الإسباني الحاصل على أوسكار خافيير بارديم بكوفية فلسطينية حول عنقه. ورغم أن مصممين عالميين استلهموا الكوفية في تصاميمهم منذ مطلع الألفية، مثل عرض «راف سيمونز» عام 2001 الذي قدّم سترات مزينة بالكوفية، ومجموعة «بالينسياغا» لعام 2007 التي شملت الكوفية كأكسسوار، إلا أنّ حضورها ظل لفترة طويلة محاطاً بالجدل ويظهر بحذر.

أزمة «لوي فيتون» و«فندي»

في صيف 2021، طرحت «لوي فيتون» وشاحاً يشبه الكوفية بسعر 705 دولارات وبألوان قريبة من العلم الإسرائيلي، لتشكّل صدمة للصناعة، وسط بروز تساؤلات على شاكلة: هل يمكن تحويل رمز مقاومة إلى سلعة فاخرة بلا سياق؟ تحت وطأة الغضب، اضطرت الدار الفرنسية إلى إزالة الوشاح من موقعها خلال أيام، في خطوة نادرة تظهر قوة الضغط الجماهيري. بالتوازي، كانت دار «فندي» تبيع وشاحاً أشبه بالكوفية مقابل 890 دولاراً، ما اعتُبر تشويهاً واستغلالاً تسويقياً.

وبالإضافة إلى الخسارة المادية الناتجة من سحب المنتجات، تعرّضت سمعة «لوي فيتون» و«فندي» لهزة بين جمهور الموضة اليقظ سياسياً وثقافياً. ومنذ ذلك الحين، أصبحت الشركات الغربية أكثر حرصاً في التعامل مع الرموز الثقافية. ما بين 2020 و2025، عاشت الكوفية رحلة استثنائية انتقلت فيها من سياق النضال المحلي إلى فضاء الموضة العالمي. ومع أن انتشارها أثار نقاشات حول الهوية والاستحواذ، غير أنّه أفسح أيضاً المجال واسعاً لإعادة تعريف كيف يمكن لرمز ثقافي أن يعيش حياة جديدة عبر الموضة من دون فقدان روحه وأصوله.

تعليقات